جمعية الفنانين التشكيليين في بغداد ..
نبذة عن تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين في بغداد
بقلم خالدالقصاب
فكر افراد الفصائل والجماعات الفنية بضرورة (في الخمسينيات الاولى) تأسيس جمعية شاملة تمثل جميع الفنانين من رسامين ونحاتين وخزافين ومعماريين وتكون اهلاً لتمثيل هذا الوجه المهم للفن والثقافة والفكر الحديث، والذي تمتد جذوره إلى ما قبل التاريخ، ولاقناع الدولة باهمية هذا الوجه الحضاري الجديد وضرورة رعايته.
باهتمام وحماس لبّى الجميع دعوة الدكتور خالد الجادر للاجتماع في داره يوم 7 تشرين الثاني 1955م لبحث النظام الاساسي لهذه الجمعية. وقد حضر الاجتماع معظم الفنانين التشكيليين في ذلك الوقت (عالية القرغولي، نزيهة سليم، أكرم شكري، جواد سليم، فرج عبو، زيد صالح، قحطان المدفعي، رفعة الجادرجي، خالد الجادر،
يوسف عبد القادر، نوري الراوي، محمد مكية، كاظم حيدر، إسماعيل الشيخلي، محمود صبري، نوري مصطفى بهجت، خالد القصاب)، ثم تكرر هذا الاجتماع في دار كل من جواد سليم وخالد القصاب.
خالد الجادر ..
كان الدكتور خالد الجادر قد درس الحقوق في جامعة بغداد، ونال الدكتوراه بتاريخ الفن من جامعة (ليل) في فرنسا. درّس في جامعة بغداد وكان محبوباً من طلبته. كما كان له موقعا كبيرا من بين اساتذة الجامعة. ولعل لخلفياته القانونية والاكاديمية أثراً لمبادرته بتشكيل جمعية الفنانين (1956م)، وفي تأسيس اكاديمية الفنون (1962م). وقد درس الفن في المغرب والسعودية حيث توفي هناك.
تمخضت الاجتماعات عن وضع النظام الاساسي لجمعية الفنانين العراقيين، والتي حوّر اسمها في وقت لاحق، باقتراح من باهر فائق الدبلوماسي وصديق الفنانين، ليصبح (جمعية الفنانين التشكيليين) لتمييزها عن الفنون الاخرى. وانتخب المجتمعون (د. محمد مكية (معماري)، عالية القرغولي (رسامة)، نزيهة سليم (رسامة)،
قحطان المدفعي (معماري)، اكرم شكري (رسام)، خالد القصاب (طبيب ورسام)) من بينهم لفيفا يقوم بتقديم الطلب الرسمي إلى وزارة الداخلية لتأسيس الجمعية. ونشرت جريدة البلاد في عددها الصادر 11 كانون
الثاني 1956م خبر موافقة وزارة الداخلية بقيام الدكتور محمد مكية ورفاقه بإنشاء جمعية باسم (جمعية الفنانين العراقيين). وكان تزامن ولادة الجمعية مع مأساة العدوان الثلاثي على مصر.
ثم دعت الهيئة المؤسسة الهيئة العامة للاجتماع في النادي الرياضي الملكي في الاعظمية لانتخاب
الهيئة الادارية، فحضر الاجتماع 36 عضوا، وكانت نتيجة الانتخابات كما يلي:
فائق حس 27 صوتاً، خالد القصاب 25 صوتاً، قحطان المدفعي 25 صوتاً، محمد مكية 24 صوتاً،
إسماعيل الشيخلي 23 صوتاً، جواد سليم 21 صوتاً، اكرم شكري 21 صوتاً، وتستمر الاعداد
بالتنازل حتى تصل إلى صوت واحد، وقد احتفظت باوراق الانتخابات لمدة تقارب نصف قرن اعتزازاً بتلك المناسبة العزيزة.
وانتخبت الهيئة الادارية من بين الذين حصلوا على اعلى الاصوات، وتوزعت المناصب بينهم كما يلي:
الدكتور محمد مكية: رئيساً.
أكرم شكري: نائباً للرئيس.
خالد القصاب: سكرتيراً عاما.
إسماعيل الشيخلي: أميناً للصندوق.
الاعضاء: فائق حسن، جواد سليم، قحطان المدفعي.
وكان لوجود معماري رئيساً للهيئة الادارية الاولى، ومعماري آخر عضواً فيها وطبيب سكرتيرا
عاماً أثر ملائم لرتق الخلافات بين العناصر المتنافسة، ودافع للجميع للعمل تحت مظلة واحدة.
خرجنا من الانتخابات ونحن لانملك مقراً ولافلساً واحداً. اقترحت على جماعتي ان نستخدم
بيتي ومشغلي في منطقة (كرداة مريم) مركزاً مؤقتاً للجمعية وكان البيت الصغير مناسباً، وبقيت هذه الدار مقر للجمعية لمدة سنتين.
انتشر خبر تأسيس الجمعية بسرعة بين الاوساط الشعبية والرسمية، واذكر في تلك الايام كيف
اتصلت بي السفارة البريطانية بوصول السياسي العالمي المخضرم (أنوريان بيفان، الذي اشتهر بتنظيمه النظام الصحي الوطني كان وزيراً للصحة بعد الحرب العالمية الثانية 1945- 1951). قالت السفارة ان المستر (بيفان)
هو في طريق رجوعه من الهند، وسيبقى في بغداد لمدة يوم واحد وقد فضل ان يقوم اثناء ذلك
بالطيران فوق المشروع الزراعي لمجلس الاعمار آن ذاك، والاتصال بالفنانين العراقيين بوصفهم مؤشر التقدم الحضاري في العراق فنظمت اجتماعاً لبعض الفنانين مع المستر (بيفان) في بيت جواد سليم، ورفض فائق حسن الاجتماع به قائلاً (ومن هذا؟).
وقد سمعنا بعدئذ ان المستر (بيفان) شكا الفنانين إلى نوري السعيد (رئيس الوزراء) قائلاً له:
خذ حذرك من الفنانين، فقد لاحظتهم متذمرين من الاوضاع العامة.